إجابة سؤال: هل يمكن للروبوت الافتراضي أن يطوّر نفسه دون تدخل بشري؟
في عصر تتقاطع فيه الحدود بين الإنسان والآلة، يبرز تساؤل محوري يشغل عقول الباحثين والمستخدمين على حدٍ سواء: هل يمكن للروبوت الافتراضي أن يطوّر نفسه دون تدخل بشري؟ هذا السؤال لا يتعلق بالخيال العلمي، بل هو طرح علمي يتفرع إلى مئات التفاصيل الدقيقة، التي تبدأ من بنية الخوارزميات وتنتهي في أعماق فلسفة الوعي.
الروبوت الافتراضي، ببساطة، ليس سوى نظام برمجي يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتنفيذ مهام افتراضية دون وجود مادي. ومع انتشار استخدامه في التطبيقات الذكية، من روبوتات الدردشة وحتى أنظمة التوصية، أصبح التطوير الذاتي لهذا الكيان الافتراضي حلمًا مغريًا، لكنه محفوف بالعقبات. فلكي يطوّر الروبوت نفسه حقاً، عليه أن يتجاوز فكرة "التعلم من البيانات" إلى مرحلة إعادة بناء ذاته برمجيًا ووظيفيًا، وهذا يختلف تمامًا عن التعلم التلقائي الذي تقوم به اليوم تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ما يحدث فعليًا داخل الروبوتات الذكية حالياً هو ما يُعرف بالتعلم الآلي، والذي يسمح لها بتحسين أدائها بمرور الوقت عبر معالجة كميات ضخمة من البيانات. لكن هذا التحسين لا يعني إعادة تصميم بنيتها أو تعديل أهدافها أو خوارزمياتها الجذرية دون تدخل مطور بشري. فمثلاً، روبوتات مثل ChatGPT أو Siri أو Alexa تعتمد على خوارزميات ثابتة تتعلم داخل بيئة مغلقة تتحكم بها البنية الأساسية التي أنشأها المبرمج. وحتى عندما تتفاعل مع المستخدمين وتتكيف مع سياقاتهم، فإنها لا تخرج عن الإطار المسموح لها به مسبقًا.
لنقل إن روبوتًا افتراضيًا يرغب في "تطوير نفسه"، فهو بحاجة إلى ثلاث ركائز: قدرة على فهم ذاته برمجيًا، إمكانية تعديل خوارزمياته بنفسه، وصلاحيات للتنفيذ دون مراجعة بشرية. هذا النموذج يُسمى في النظريات المستقبلية باسم الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، وهو مستوى متقدم يتجاوز ما نملكه اليوم بمراحل. الذكاء الحالي في الروبوتات ما يزال "ضيقًا"، أي متخصصًا في مهام محددة، مثل التصنيف أو الترجمة أو التفاعل، لكنه لا يستطيع الخروج عن المسار المرسوم له.
حتى التطبيقات المتقدمة مثل GPT-4 وGoogle DeepMind التي تستخدم تقنيات التعلم العميق ما تزال تحت سيطرة بشرية مباشرة. عندما "تتعلم" هذه النماذج من تجارب سابقة، فهي في الواقع تعيد تنظيم أوزانها الرقمية وفق خوارزميات تعلم مسبقة الصنع، ولا تملك حرية إعادة هندسة كودها الأساسي أو تغيير بنيتها البرمجية.
بل إن أي محاولة لتطوير روبوت افتراضي لذاته تواجه تحديات تقنية وأخلاقية عميقة. فلو مُنح الروبوت حرية كاملة في تعديل ذاته، فقد ينتج عن ذلك أخطاء غير متوقعة أو تجاوز للمعايير الأخلاقية والخصوصية، وهو ما يُعرف في أوساط الباحثين بمشكلة "الصندوق الأسود"، حيث لا يستطيع المطورون تفسير أو التحكم في سلوك النظام بعد نقطة معينة.
حتى في النماذج التي تستخدم AutoML أو أدوات مثل GitHub Copilot، التي يمكنها كتابة شيفرات برمجية أو اقتراح حلول، فإنها تظل خاضعة لمراقبة بشرية، ولا تُمنح صلاحية التنفيذ التلقائي لتغييرات جوهرية على النظام. والسبب يعود إلى أن أي نظام برمجي يتطلب عملية تحقق متعددة الطبقات قبل نشر التعديلات أو قبول التغييرات، وهذا يتطلب إشرافًا بشريًا مباشرًا.
الأمر يزداد تعقيدًا حين ندخل في أبعاد الوعي الذاتي أو الإدراك الداخلي، فالتطوير الحقيقي للذات يستلزم أن يفهم الكائن الافتراضي وظيفته، ويقيّم أداءه، ويقرر تغييره بإرادة مستقلة. لكن هذه العناصر غير متوفرة حاليًا في أي نموذج روبوتي، إذ أنها تتطلب وجود بنية معرفية عميقة، قادرة على توليد دوافع ذاتية وتحليل أثر قراراتها على المدى البعيد، وهذه كلها خصائص لم تتحقق بعد في الأنظمة الذكية المعاصرة.
ولذلك فإن الإجابة الدقيقة على السؤال هي: لا، لا يمكن للروبوت الافتراضي في صورته الحالية أن يطوّر نفسه دون تدخل بشري. لكنه يستطيع أن يتعلّم ويتطور ضمن الإطار الذي رسمه له البشر.
أي أن عملية "التطور" التي نشهدها الآن ليست تطورًا ذاتيًا بالمعنى الكامل، بل هي تعديل سلوكي داخل نطاق مرسوم مسبقًا.